تصنيفات الحيل الدفاعية اللاشعورية
الحيل الدفاعية اللاشعورية هي استراتيجيات نفسية يلجأ إليها الإنسان بشكل غير واعي بهدف حماية نفسه من القلق، التوتر، والضغوط النفسية التي قد تترتب على المواجهة المباشرة مع الصراعات الداخلية أو الخارجية. وقد طرح عالم النفس سيغموند فرويد نظرية الحيل الدفاعية ضمن إطار دراساته الخاصة بالتحليل النفسي، ورأى أنها آلية أساسية تساهم في تنظيم النفس والحفاظ على توازنها في مواجهة التهديدات النفسية. يتم استخدام هذه الحيل بطريقة لا شعورية، مما يجعل الأفراد غير واعين بتأثيراتها على سلوكهم وتفكيرهم.
يتم تصنيف الحيل الدفاعية ضمن عدة أنواع، حسب الطريقة التي يتعامل بها الشخص مع التوتر أو القلق الذي يعاني منه. سنتناول في هذا المقال بعض هذه التصنيفات بشكل مفصل، مع توضيح كيفية حدوثها وأمثلة على كل منها.
أولًا: الإنكار
الإنكار هو أحد أبرز الحيل الدفاعية التي يلجأ إليها الأفراد عندما يواجهون حقيقة مؤلمة أو تهديدًا نفسيًا يصعب عليهم تقبله. في هذه الحالة، يرفض الشخص الاعتراف بالواقع أو القبول به، كأن يحاول أن يتجاهل أو ينفي وجود المشكلة.
مثال:
شخص مصاب بمرض عضال قد يرفض الذهاب للطبيب أو قد ينكر التشخيص الطبي ويقنع نفسه بأنه لا يعاني من أي مشكلة صحية.
ثانيًا: التبرير (الإسقاط)
التبرير هو عملية يتم خلالها إلقاء اللوم على الآخرين أو الظروف بدلاً من الاعتراف بالمشاعر أو الأفعال السلبية التي قد يكون الشخص نفسه قد قام بها. يستخدم الفرد هذا الدفاع ليشعر بالراحة النفسية ويهرب من الشعور بالذنب أو القلق.
مثال:
شخص يشعر بالغضب تجاه زميله في العمل، ولكنه يبرر ذلك بأنه كان هو السبب في الموقف بطريقة غير عادلة، بدلًا من قبول حقيقة أنه هو من أفسد العلاقة.
ثالثًا: التحويل
التحويل هو آلية دفاعية يتجه فيها الشخص إلى نقل مشاعره أو ردود فعله تجاه شخص أو شيء ليس له علاقة بالمشكلة الأصلية. بدلاً من التعامل مع التوتر في المواقف التي تثير القلق، يقوم الشخص بتحويل تلك المشاعر إلى موضوع آخر.
مثال:
شخص يعاني من الضغط في العمل، فيلجأ إلى إظهار عدوانيته تجاه أفراد أسرته أو أصدقائه المقربين دون سبب واضح.
رابعًا: الاختزال
الاختزال هو تحويل مشكلة معقدة أو شعور صعب إلى مشكلة أكثر بساطة أو إلى سلوك سهل الفهم. يمكن أن يشمل الاختزال تبسيط المشاكل النفسية إلى أفكار أو مشاعر يمكن للفرد تحملها أو تفسيرها بشكل أقل إثارة للقلق.
مثال:
شخص يعاني من مشاكل معقدة في حياته الشخصية قد يعبر عن تلك المشاكل بمشاعر بسيطة مثل الغضب أو الاكتئاب دون الخوض في الأسباب الكامنة وراء ذلك.
خامسًا: التقليل من شأن المشكلة
يتضمن هذا النوع من الحيل الدفاعية التقليل من خطورة أو أهمية المشكلة أو التهديد الذي يواجهه الفرد، ليشعر بتحسن وراحة أكبر. يلجأ الأفراد إلى هذه الحيلة عند شعورهم بالعجز عن مواجهة المشكلة بشكل مباشر.
مثال:
شخص في علاقة عاطفية متوترة قد يقلل من شأن الخلافات بينه وبين شريكته، معتقدًا أنها “مشكلة صغيرة” يمكن التغاضي عنها، رغم أنها قد تكون تهديدًا حقيقيًا للعلاقة.
سادسًا: الانسحاب
الانسحاب هو آلية دفاعية تعتمد على الانسحاب من المواقف التي تثير القلق أو التوتر، سواء من خلال الانسحاب العاطفي أو الاجتماعي. هذا يمكن أن يشمل التهرب من المواجهات أو حتى تجنب التفاعل مع الأشخاص الذين يثيرون التوتر.
مثال:
شخص يعاني من ضغوطات حياتية كبيرة قد يفضل العزلة الاجتماعية وعدم المشاركة في الأنشطة التي كانت تهمه سابقًا، مثل التجمعات مع الأصدقاء أو المشاركة في العمل الجماعي.
سابعًا: التفاعل العكسي
هذه الحيلة الدفاعية تعتمد على أن يظهر الشخص سلوكًا أو مشاعر معاكسة تمامًا لما يشعر به في داخله. يُستخدم هذا الدفاع عادة لدرء مشاعر الذنب أو القلق عبر تبني مواقف سلبية أو تجاهل المشاعر الحقيقية.
مثال:
شخص يشعر بالقلق تجاه موضوع معين لكنه يظهر سلوكًا باردًا أو لا مباليًا تجاه الموضوع، كأن يكون غاضبًا من شخص ما لكنه يظهر مواقف غاية في اللطف والود.
ثامنًا: التسامي
التسامي هو أحد الحيل الدفاعية التي تكون غالبًا إيجابية بالمقارنة مع الحيل الأخرى. يتضمن تحويل الطاقات العاطفية السلبية (مثل الغضب أو التوتر) إلى سلوكيات بناءة ومفيدة، مثل الإبداع في الفن أو ممارسة الرياضة.
مثال:
شخص يعاني من القلق الناتج عن مواقف حياتية صعبة قد يوجه طاقته السلبية نحو ممارسة هواية مثل الرسم أو الكتابة.
تاسعًا: الرجوع إلى مراحل نمو سابقة (الارتداد)
الارتداد هو العودة إلى سلوكيات أو نمط تفكير يشبه المرحلة العمرية السابقة في حياة الفرد. يلجأ الأشخاص إلى هذه الحيلة الدفاعية عندما يواجهون مواقف غير قادرين على التعامل معها بشكل ناضج.
مثال:
شخص بالغ يشعر بالضغوط قد يبدأ في التصرف بطريقة أكثر اعتمادًا على الآخرين، كأن يسترجع تصرفات الطفولة أو يطلب مساعدة الآخرين بشكل مفرط.
عاشرًا: التحليل العقلاني (التعقل)
التعقل هو تبرير المشاعر أو التصرفات التي يثيرها موقف معين باستخدام حجج عقلية أو منطقية. بدلًا من التعامل مع المشاعر بشكل مباشر، يقوم الشخص بتحليل الموقف بطريقة عقلانية، مما يتيح له تجنب مواجهة مشاعره الداخلية.
مثال:
شخص يعاني من مشاعر الحزن بعد فقدان شخص عزيز قد يحاول إقناع نفسه بأنه “كان يجب أن يكون مستعدًا لهذا الموقف” أو “الحياة تستمر”.
الحيل الدفاعية في حياتنا اليومية
تُظهر الحيل الدفاعية اللاشعورية في حياتنا اليومية كيف يحاول العقل البشري الحفاظ على استقراره النفسي. لا يمكن إنكار أن هذه الآليات تساهم في تخفيف الضغط النفسي في اللحظات الحرجة، لكنها قد تتحول إلى مشكلة إذا أصبحت هي السمة الأساسية في التعامل مع الضغوط والمواقف الصعبة. في بعض الحالات، يمكن أن تؤدي هذه الحيل إلى تجنب الواقع أو إلى تكوين عادات سلبية تؤثر في الأداء الاجتماعي والعاطفي للفرد.
من الجدير بالذكر أن التعامل مع هذه الحيل الدفاعية يتطلب وعيًا نفسيًا وإدراكًا للمشاعر والأفكار التي تثيرها هذه الآليات. تتراوح تأثيرات الحيل الدفاعية بين مفيدة في بعض الأحيان، إلى ضارة إذا تم استخدامها بشكل مفرط أو غير مناسب.
